الجمعة، 25 يونيو 2010

الفروق بين الجنسين على المستوى المعرفي بيولوجياً

الفروق بين الجنسين على المستوى المعرفي بيولوجياً من ابحاث الدكتور عماد فوزي شعيبي




هناك أبحاث كثيرة تتناول موضوع الفروق بين الجنسين، وهي في بعضها تذهب إلى اعتبار أن هذه الفروق بيولوجية[19]، وأن تفاوت القدرات المعرفية بين الجنسين يعكس الاختلاف في التأثيرات الهرمونية في شكل الدماغ ونموه , وهذه هي النتيجة التي انتهت إليها ( كيمورا ) الباحثة في الأسس العصبية والهارمونية للوظائف الفكرية الذهنية للإنسان، في قسم العلوم العصبية السريرية في جامعة كيربي في كندا ؛ حيث تعتبر أن الفوارق بين النساء والرجال لا تقتصر على السمات الجسمية والوظيفية والتناسلية فحسب بل تتعداها إلى الكيفية التي يحل بها كل منهما المشكلات الفكرية أيضا؛ حيث تدل تجاربها على أن آثار الهرمونات الجنسية في التنظيم والتعضي الدماغي، تحدث في مرحلة مبكرة من الحياة , حتى أن العوامل البيئية تفعل فعلها منذ البداية في دماغين صمما لدى الأنثى والذكر بصورتين مختلفتين، أي أنها تقر بأن العامل البيئي يتصل أيضا بالعامل البيولوجي والهرموني والجنسي، الذي يسبقه، أي أن الاستجابات البيئية هي بالأصل من تركيبة المتعضي سواء أكان ذكرا أم أنثى، وهذا ما يجعل تقييم التجارب الشخصية بمنأى عن تلك الاستعدادات الفيزيولوجية أمراً متعذراً.


في أواسط الشهر الأول من عام 2005، اقترح رئيس جامعة هارفارد < L.سومرز>أن الفروق الفطرية في بنيان دماغي الذكر والأنثى يمكن أن تكون أحد عوامل الندرة النسبية لتخصص النساء في مجالات العلوم ." إذ تكشف تجارب التصوير هذه أن التباينات التشريحية موجودة في تشكيلة منوعة من المناطق في أرجاء الدماغ . فعلى سبيل المثال استخدمت)M.Jكولدشتلين) < من كلية طب هارفارد > وزملاؤها تقانة التصوير التجاوبي المغنطيسي في قياس العديد من الباحات areas القشرية وتحت القشرية الدماغية . ووجد هؤلاء الباحثون ، إضافة إلى أشياء أخرى ، أن أجزاء من القشرة الجبهية frontal cortex، التي تعد مقر العديد من الوظائف المعرفية العليا ، تكون لدى النساء أكبر منها لدى الرجال ، وكذلك الحال مع أجزاء من القشرة الجوفية limbi cortexالتي تعنى بالاستجابات الانفعالية . وفي المقابل ، تكون عند الذكور أجزاء من القشرة الجدارية parital cortex ، التي تعنى بادراك الحيز space ، أكبر مساحة منها لدى الإناث، ولاسيما اللوزة المخية amyygdalaالتي تمثل بنية لوزية الشكل تستجيب للمعلومات التي تثير الانفعال _ أي إلى كل شيء يسبب خفقان القلب وتدفق الادرينالين .
ونشير هنا إلى أن هذه الفروق في الحجم وكذلك الفروق الأخرى المذكورة في تلك المقالة هي فروق نسبية ، فهي تشير إلى الحجم الإجمالي للبنية بالقياس إلى الحجم الإجمالي للدماغ[20] .


وثمة أبحاث أخرى تكتشف فروقا تشريحية بين الجنسين على المستوى الخلوي .فعلى سبيل المثال اكتشفت < s.يتلسون > وزملائها (في جامعة مكماستر ) أن النساء يمتلكن كثافة كبيرة من العصبونات في أجزاء من قشرة الفص الصدغي temporal lobeتعنى بمعالجة اللغة وفهمها . فعند عدِّ العصبونات في عينات منها بعد الموت ، وجد الباحثون طبقتين ، من أصل الطبقات الست الموجودة في تلك القشرة، تحويان عددا من العصبونات (في وحدة الحجم )أكبر لدى الاناث منه لدى الذكور . وقد ذكرت مثل هذه المكتشفات لاحقا فيما يخص الفص الجبهي .
وبتوفر مثل هذه المعلومات ، يستطيع علماء الأعصاب الآن استقصاء ما إذا كانت الفروق بين الجنسين في عدد العصبونات تتلازم مع فروق في المقدرات المعرفية ؛أي على سبيل المثال ‘ استقصاء ما إذا كان تعاظم تلك الكثافة في القشرة السمعية لدى الأنثى ، يرتبط بأداء التفوق للنساء في اختبارات الطلاقة اللفظية عندهن .
ومما يثير الاهتمام أن الباحات الدماغية ، التي وجدت < كولدشتاين> أنها تختلف بين الرجال والنساء هي نفسها التي تحتوي عند الحيوانات على أكبر عدد من مستقبلات الهرمونات الجنسية أثناء التشكل والتنامي . وهذا الترابط بين حجم المنطقة الدماغية لدى البالغين والفعل الستيرويدي في الرحم يوحي بأن بعض الفروق الجنسانية ( بين الجنسين ) ، وفي الوظيفة المعرفية على الأقل ، لا تنجم عن التأثيرات الثقافية أو عن التغييرات الهرمونية التي تصاحب المراهقة ؛ أي أنها قائمة منذ الولادة .


لقد انتهج < S.بارون كوهن>[21] ومعاونوه ( في جامعة كمبردج) مقاربة خلاقة مختلفة لدراسة أثر الطبيعة مقابل أثر التربية فيما يخص الفروق بين الجنسين في المجال المعرفي .فلقد ذكر الكثيرُ من الباحثين تباينات في توجيه الناس للولدان الذكور والإناث . وعلى سبيل المثال ، وجد < بارون –كوهن > وتلميذته < لوتشمايا > أن البنات في سنتهن الأولى يقضين زمنا أطول في النظر إلى أمهاتهن قياساً إلى الذكور بذات العمر .وحينما عرضت على هؤلاء الأطفال تشكيلة أفلام لمشاهدتها، حدقت البنات لمدة أطول في فيلم يتعلق برؤية وجه ما ، في حين حدق الغلمان لمدة أطول في فيلم يعرض سيارات .
وبالطبع فإن هذه التفصيلات يمكن أن تنسب إلى فروق في طريقة تعامل البالغين مع الغلمان والبنات الصغار سلوكا ولعبا . ولاستبعاد هذه الإمكانية تقدم < بارون –كوهن > وتلاميذه خطوة أبعد إذ أخذوا كاميرا فيديو video camera إلى جناح الولادة في أحد المستشفيات بغية فحص ما يفضله رضع عمرهم يوم واحد . وقد عرض على هؤلاء الرضع مشهد من اثنين : إما وجه بشوش لطالبة حية ، أو قطعة خشب متحركة تشبه وجه الطالبة لونا وحجماً وشكلاً ولكنها تتضمن خليطا ملخبطا من ملامح وجهها. وتحاشيا لأي انحياز، لم يكن القائمون بالتجربة يعرفون جنس الرضيع أثناء الاختبار.ولدى مشاهدة أشرطة الفيلم وجد هؤلاء الباحثون أن البنات أمضين وقتا في النظر إلى الطالبة، في حين صرف الغلمان وقتا أطول في النظر إلى الجسم الآلي . لقد اتضح هذا الفرق في الاهتمام الاجتماعي في اليوم الأول من حياة الرضيع ، مما يعني ضمناً أننا نولد من الرحم ونحن نملك بعض الفروق الفطرية المعرفية(الاستعرافية) [22]cognitive.


إن دراسة ( كيمورا ) للتأثيرات الهرمونية في عمل الدماغ خلال مسيرة الحياة، توحي بأن الضغوط التطورية تسمح بوجود تفاوت بين الجنسين بالقدرة الاستعرافية (Cognitive) أي في عملية المعرفة بحد ذاتها , وعلى هذا فإن الفوارق بين الجنسين معرفياً، تكمن في الطرز المختلفة للمهارات الفكرية التي يتمتع بها كل منهما أكثر مما هو يعود للمستوى الذكائي لبعضهما البعض.
هذه القضية التي تطرحها ( كيمورا ) تطرح علينا إشكاليتين :


1-إشكالية الفوارق الكاملة بين مطلق اختلاف جنسي هرمونيا :أي أن فوارق ما ينتج عن تلقي المتعضي ذكراً أو أنثى لكل من الهرمونين الذكري أو الأنثوي تتشكل بصورة مطلقة كفوارق بين الجنسين , وهو البحث الذي قامت به (كيمورا).

2-الفوارق اللحظية بين الجنسين هارمونيا: أي هل أن تبدل للوضع الآني للهرمونات الذكرية أوالأنثوية لدى كل من الذكر والأنثى يؤدي إلى تتبدل الوضعية الآنية والطريقة الاستعرافية آنيا التي ينتجها أو يتعامل بها كل من ذكر بعينه أو أنثى بعينها، لأن هذه الهرمونات تحرض بدورانها في الدم على الإمكانات المختلفة لكل من الذكر والأنثى من الناحية المعرفية أصولا .


بشكل عام ترى ( كيمورا ) أن الرجال يتفوقون على النساء بسرعة إنجاز بعض الأعمال المكانية spatial" "( التي فيها حيز) لا سيما تلك الاختبارات التي تتطلب من الشخص الذي يتخيل أن يقوم بتدوير جسم ما أو ملاعبته, كذلك يتفوق الذكور في اختبارات الاستدلالات الرياضية وفي الاهتداء إلى الطريق الصحيح في متاهة, كما أن الذكور أدق من النساء في الاختبارات الحركية الموجهة نحو هدف ما كتوجيه قذيفة أو اعتراضها .
أما الإناث فهم أسرع في تعرف الأشياء المتماثلة أوالمتوافقة أوالمتقاربة؛ أي هن أكثر قدرة على السرعة الإدراكية , والإناث أفضل بالطلاقة اللفظية؛ ومنها القدرة على إيجاد الكلمات التي تبدأ بحرف معين أو يتوافر فيها قيد آخر, وهن يفقن الذكور في العمليات الحسابية، وفي تذكر المعالم المتواجدة في الطريق، وهن أسرع في أداء المهام اليدوية الدقيقة كوضع الأسافين في الثقوب المخصصة لها.
وتبين ( كيمورا ) أن الإناث أفضل في تذكر المعالم التفصيلية ويملن إلى استخدام المعالم المرئية للتوجه في حياتهن اليومية . أما الاستراتيجيات التي يتبعها الذكور فلم تحدد تحديدا واضحا بعد .
وقد ظهرت في دراسة لإيليز وسيلف رمان من جامعة بورك وظيفة أخرى للأنثى تتعلق بذاكرة المعالم؛ فالنساء أفضل من الذكور في ملاحظة المعالم المتغيرة لمكان ما بما فيها الفوارق الدقيقة , وكذلك في الاختبارات التي تتطلب موائمة للصور المضاهية أي التي تختلف عن بعضها البعض اختلافا دقيقا، أو إيجاد كلمات تبدأ بحرف ما أو تعتمد على الطلاقة الفكرية كتسمية الأشياء ذات اللون الأحمر على سبيل المثال . وعليه تبني ( كيمورا) قناعتها بأنه لما كان الرجال والنساء يتقاسمون مادة وراثية واحدة باستثناء الصبغيين (الكروزوميين) الجنسيين، فإن الفروق بين الذكر والأنثى تأتي بنتيجة الهرمونات المختلفة للدماغ في مرحلة تكونه، فيبدأ التمايز الجنسي .
ففي مرحلة مبكرة من الحياة تفعل الأستروجينات والأندروجينات (وهي هرمونات الذكورة ولا سيما التيستسترون) , فعلها في المرحلة الجنينية حيث يكون لكل كائن حي من الحيوانات الثديية، بما في ذلك الإنسان، الإمكانية بأن يصبح ذكرا أو أنثى, فإذا كان الجنين يحمل الصبغي Y كانت الخطوة الأولى نحو الذكورة تتمثل في تشكل المنسلين الذكريين (الخصيتين)، وهكذا يبدأ إنتاج الهرمونات الذكرية، أما إذا لم يفرز المنسلان هرمونات ذكرية، أو حال سبب ما دون أن تفعل الهرمونات فعلها في النسيج اتخذ هذا الكائن شكل أنثى .
إذا تكونت الخصيتان فإنهما تفرزان مادتين تفضيان إلى الذكورة في جنين رحم الأم وهما التستسترون وعاجل التراجع الموليري.
وتعتقد ( كيمورا ) وفقا لأبحاثها بأن الهرمونات الجنسية الذكرية لا تتسبب بتحويل أعضاء الجهاز التناسلي إلى أعضاء ذكرية فحسب، بل هي مسؤولة عن تنظيم سلوك الذكورة في مرحلة مبكرة من العمر، وأيضا تحديد اتجاه طريقة المعرفة لدى الذكر منه عن الأنثى .
هذه النقطة استخدمتها ( كيمورا ) من ملاحظة أن البقعة الدماغية المسؤولة عن التنظيم أو التي تسمى تحت المهاد أو الوطاء وتتصل بالغدة النخامية الصماء هي أكبر حجما لدى الذكور منها لدى الإناث، حيث تشير دراسة لـ(لوفاي) من معهد سالك للدراسات البيولوجية، أن بقعة تحت المهاد الأمامي هي أكبر حجما في الذكور منها في الإناث، وهي أصغر في الرجال الجنوسيين منها لدى الرجال متغايري الجنس فهذا الجزء مماثل لدى الأنثى لذلك الموجود لدى ذوي الميل الجنسي المثلي ، حيث بات توصيف ذوي الميول الجنسية المثلية اليوم، بأن سبب وضعهم جنسي؛ أي هناك شئ بيولوجي .
وقد ثبت وفقا لدراسة (كلاديوم) من جامعة ولاية شمالي داكوتا، ودراسة ساندرس أن هناك فوارق من حيث الأداء في الاختبارات الاستعرافية بين الرجال الجنوسيين ومتغايري الجنس، إذ أن أداء الجنوسيين دون أداء متغيري الجنس في موضوع الحيز المكاني .
وفي دراسة جديدة وجد (هول) أن النتائج التي حصل عليها الجنوسيون الذكور في مختبرات التسديد كانت أقل مما حصل عليها متغيارو الجنس من الرجال لكنهم تفوقوا عليهم في الطلاقة الفكرية كتسجيل الأشياء ذات اللون المحدد في دائرة واحدة وهذه ثمة أنثوية .
وعليه:ترى كيمورا أنه بسبب التعرض للهرمونات الجنسية في مرحلة مبكرة من الحياة تنشأ تغيرات في الدماغ تستمر آثارها طيلة العمر، إلا أنها ترى بأن استخدام هذه الهرمونات نفسها في مراحل لاحقة لن يكون لها هذا الأثر أي أنها تحدد المشكلة معرفيا بأنها تمايز يتحدد في الجنسين منذ لحظة التكوين في الرحم ولا يتغير مع الزمن ومع تعرض الكائن لمتغيرات هرمونية بعد الولادة، ولكن (كيمورا) لا تؤكد ما إذا كان هذا التأثير الهرموني الذي حدد الطبيعة التكوينية (التنظيمية) للدماغين الذكري والأنثوي لا يتأثر فعليا في صلب بحثها بل في محيطه بدرجة صعود وهبوط في استخدام تلك الملكات الذكرية والأنثوية إذا ما تعرض لتغير وتبدل في الهرمونات كزيادة نسبة التستسترون لدى الرجل نتيجة الإثارة الجنسية أو نتيجة تبدل وضع الآستروجين لدى الأنثى مع الدورة الشهرية, فالموضوع برمته عند ( كيمورا ) يندرج في إطار أن جرعة التستسترون التي يأخذها الجنين في بطن أمه في المنسلين المتشكلين، هي التي تحدد الطبيعة الجنسية والمعرفية بصورة تنظيمية ونهائية .
إلا أن من الملاحظ في أغلب الدراسات الطبية الحديثة أن الأنثى مع بدء الدورة الشهرية أو قبيلها يحدث أن يتجمع لديها سائل إضافي في الدماغ يسمى (حبس سوائل دماغية) مما يؤثر على قدرتها الذهنية المنطقية أو المعالجة التي تنسب إلى ما هو ذكري وفقا لأنثوية العلم, إلا أنه لا تتوافر دراسات مخبرية متكاملة تدرس الحالة التفصيلية لمتغيرات يومية للأداء المعرفي نتيجة صعود وهبوط أي من الهرمونين الذكري والأنثوي مع متغيرات حياتية لكل من الذكر والأنثى, وعلى هذا فقد بين الباحث (ميني) من جامعة (مك كل) أن الميل لألعاب العراك يظهر في الذكور الصغار بتأثير الديدهيديسترون في اللوزة المخية وليس في الهيباتالاموس.
وعلى هذا ترى ( كيمورا ) أن حرمان الوليد الذكر في بطن أمه من التستسترون بخصائه أو إعطاء الوليدة هرمونا مسببا للذكورة خلال عملية نمو الدماغ المبكرة، فإنهما يؤديان إلى عكس كامل للتصرفات المرتبطة بالجنس؛ فتتصرف الإناث تصرفات ذكور ويتصرف الذكور تصرفات مختصة بالإناث.
ومن أهم الدلائل وأقواها ما بينته الدراسات على الإناث اللواتي يتعرضن لكميات كبيرة من الأندروجينات الكظرية قبل الولادة أو لدى حديثي الولادة، إما لسبب مرضي أو لتناول أمهاتهن لبعض الأدوية أثناء الحمل ما يجعل البدن يصنع كميات كبيرة شاذة من الأندروجينات الكظرية، ما يؤدي إلى مشكلات في تحديد الجنوسة, ويمكن تصحيح التأثيرات التذكيرية الناجمة عن تلك الأندروجينات (التستسترونات) للبنات في مرحلة مبكرة من العمر,كما توقف المعالجات الدوائية فرط إفراز الأندروجينات بينما تأثير الهرمونات الذكرية يبقى في أدمغتهن، والتي تحدث قبل الولادة لا يمكن تصحيحها أو ردها, وقد أظهرت دراسات قام بها باحثون مثل أير هاربت من جامعة كولومبيا ورنش من مؤسسة كيري أن البنات اللواتي تعرضن لكميات كبيرة من الأندروجينات (هرمونات ذكرية ) أثناء الحمل بهن، غدون أكثر صبيانية وعدوانية من شقيقاتهن العاديات,كما أنهن يفضلن ألعاب الذكور كألعاب السيارات في صيغة مماثلة لما لدى الأطفال الذكور .
وتوحي الدراسات أن الأنثى التي تتعرض في بطن أمها إلى ازدياد في تركيز الأندروجينات، تفعل فعلها في مستوى الأداء الحيزي أو المكاني، إلا أن العلاقة ليست خطية فقد لا تزداد القدرات الحيزية بمقدار زيادة الأندروجينات. والمسألة مسألة استجابة، وهنا فإن دراسة ( كيمورا ) تفيد بتفوق الرجال ذوي التستسترون المنخفض عن أمثالهم ذوي التستسترون المرتفع في اختبارات الحيزات المكانية وبراعة النساء ذوي التستسترون المرتفع أكثر من مثيلاتهن ذوي التستسترون المنخفض وتوحي هذه النتائج أن هناك مستوى مثالياً للأندروجينات يكون عنده الأداء الحيزي أفضل ما يمكن وقد يقع هذا المقدار ضمن الحدود المنخفضة للذكور.
كذلك الأمر في الاستدلال الرياضي بينت أبحاث ( كيمورا) شيئا شبيها للنتائج حول موضوع اختبارات القدرة الحيزية للرجال فكان أداء الرجال من ذوي الأندروجينات المنخفضة أفضل من سواهم لدى الإناث فلم تظهر علاقة واضحة أفضل في الهرمون أو حسن الأداء.
إلا أن دراسة ( بن بون ) من جامعة ولاية أيوا قد بينت أن النبوغ أو التفوق في الرياضيات مرده إلى عوامل بيولوجية مهمة, فالباحثة (بن بون) وجدت مع زملائها تفوقا مطردا للذكور على الإناث في الاستدلال الرياضي بنسبة 13 إلى 1 .
وهناك طريقة أخرى لدراسة الفوارق بين الذكر والأنثى بفحص وظائف بعض الأجهزة الدماغية ومقارنتها لدى الجنسين حيث تشير هذه الدراسات أن النصف الأيسر للدماغ هو بالغ الأهمية للكلام، في حين تتركز الوظائف الحسية الحيزية في النصف الأيمن .
وهناك ملاحظة تشير إلى عدم التناظر بين نصفي الدماغ باعتباره أشد منه لدى الذكور منه لدى الإناث , ففي دراسة (جشونت) من مدرسة (هارد بارت) الطبية، تبين أن الأندروجينات تزيد من الفعاليات للنصف الأيمن من الدماغ .
ووجد دولا كوستا 1991 أن قشرة النصف الأيمن من الدماغ في الذكور أكثر ثخانة منها في النصف الآخر,وهناك أدلة تشريحية تدعم الاعتقاد بأن نصفي الكرة الدماغي قد لا يكونان غير متناظرين بدرجة واحدة لدى الجنسين, بدليل أن إصابة النصف الأيمن لدى كل من ذكر وأنثى لدى إحدى التجارب لم يكن له أثر موحد في موضوع الحيز إذ كان أثره أكبر في الرجال منه لدى النساء .
ننتهي إلى أنه من جملة ما تقدم ترى (كيمورا) أن الأدلة تشير إلى وجود اختلاف في التعضي الدماغي لدى الجنسين يبدأ في مرحلة مبكرة جداً من الحياة، وأن الهرمونات الجنسية توجه هذا التمايز بين الجنسين أثناء النمو الجنيني وأن هناك علاقة بين مستويات هرمونات معينة والكيان الاستعرافي للشخص في مرحلة البلوغ.
ومع ذلك، فإن المشكلة الثانية التي طرحناها في إطار هذا البحث، وهي التبدل المعرفي نتيجة تبدل الهرمونات في مرحلة متقدمة هي بعد البلوغ، تطرح بشكل واضح اليوم في بعض الأبحاث حيث بينت (هامب تويغ) من جامعة غرب أورتاريو أن الأنماط الاستعرافية حساسة للتقلبات الهرمونية في جميع مراحل الحياة، وأن أداء النساء لبعض المهمات خلال الدورة الطمثية يتفاوت حسب تقلب مستوى الأندروجين، فقد ترافق ارتفاع مستوى الهرمونات ليس مع هبوط القدرات الحيزية فقط بل مع تعزيز القدرات الحركية,وأن وجود فوارق ثابتة بين الجنسين قد تكون كبيرة أحيانا بما يوحي بأن للجنسين قدرات مهنية قد تكون مختلفة وغير مرتبطة بالتأثيرات الاجتماعية أي ليس لهذا الأمر بعد اجتماعي .

ليست هناك تعليقات: